أن يجعله ممن إذا أعطي شكر {اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ} قلة هم الشاكرون، الشاكرون على الحقيقة قليل ولهذا قال -جلّ وعلا-:{وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ} ولما كانوا كذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- رأس هؤلاء الشاكرين ، فقام لربه -جلّ وعلا- حتى تفطرت قدماه ، فكلمته عائشة أم المؤمنون رضي الله عنها في ذلك ، فقال:“أفلا أكون عبدا شكورًا” لم؟ ، لأن الشاكرين قليل وأما الكافرون فهم كثير ولا يضرهم قلتهم :
تُعَيِّرُنا أَنّا قَليلٌ عَديدُنا — فَقُلتُ لَها إِنَّ الكِرامَ قَليلُ
وَما ضَرَّنا أَنّا قَليلٌ وَجارُنا — عَزيزٌ وَجارُ الأَكثَرينَ ذَليل
فالكثرة ليست بشيء إذا لم تكن على الحق والهدى ، وإنما العبرة بمن هو على الحق وبمن هو على الهدى ، ألا ترون أنه يوم القيامة بعث أهل الجنة واحد من كل ألف ، واحد يدخل الجنة وتسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار ، فالقلة ليست بذم ولا عيب {وقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ} فإذا وفق العبد للشكر فقد وفق للخير ، قال -جلّ وعلا-: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} فالشكر مفتاح الخيرات ، فإذا أنعم عليك أيها العبد من النعم ، وأعطيت من الله -جلّ وعلا- صنوف النعم فعليك أن تقابلها بالشكر ، فتقيدها من الفرار وتزداد من العزيز الغفار ، الشكر به تدوم النعم وبه يزداد في النعم ، هذان الأمران يحصلان بسبب الشكر ، فالواجب على العبد أن يحفظ هذا ، يشكر الله -جلّ وعلا- ولا يأشر ولا يبطر ، فيقيد النعمة التي بين يديه فلا تفر بل تقر ، ويزداد إليها نعم أخرى : {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} .