الحنيفية التي هي ملت إبراهيم هي هذه ، هي أن تعبد الله وحده مخلصًا له الدين: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} ، وأولى الناس بإبراهيم من كان مثله حنيفًا على الحنيفية التي هي ملة إبراهيم ، قال -جلّ وعلا-: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ} يعني في عهده -عليه الصلاة والسلام- {وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا} لأنهم على طريقه -عليه الصلاة والسلام- حنفاء ، وهذه الحنيفية التي أمرنا الله بها في قوله -تبارك وتعالى-: ” لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3) وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4) وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5) “ ؛ فالحنيفية هي الدين القيم ، وهي التي أمرنا الله بها نحن المسلمين أمة محمد ﷺ ، كما أمر بها من قبلنا ، وسم الله -جلّ وعلا- إبراهيم خليله -صلوات الله وسلامه عليه – سماه حنيفاً : {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا} سماه حنيفًا أخذًا من الحنف وهو: الميل ، الحنف يقال رجل أحنف يعني: في رجليه ميلان ميول هكذا ، فقد كان إبراهيم -عليه السلام- مائلاً عن دين المشركين إلى التوحيد والإيمان فسمي إيش؟، حنيفاً ؛ فالحنيفية هي دين إبراهيم ، ملة إبراهيم -عليه السلام- كما سمعتموها في الآيات ، وأولى الناس بإبراهيم من كان على دينه -صلوات الله وسلامه عليه- في زمانه ، ومن جاء بعده ، وأولى الناس بإبراهيم بعده -عليه الصلاة والسلام- هذا النبي حفيده من فرع ابنه الأكبر مَن؟، إسماعيل -عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام- ؛ فإسماعيل هو الإبن الأكبر لإبراهيم وبعده جاء أخوه إسحاق ، ومن إسماعيل لم يخرج إلا محمد ﷺ نبياً من هذا الفرع ، وأما فرع إسحاق فقد كثر الأنبياء فيهم بنوا إسرائيل واليهود ، وأهل الكتاب عمومًا حسدوا النبي ﷺ لكونه من غير فرعهم مع أنه واحد من هذا الفرع ، وهو ابن عمهم ولم ينظروا إلى كثرة الأنبياء فيهم فيحمدوا نعمة الله عليهم أن جاءهم هذا الرسول من نسبهم يصحح لهم ما انحرفوا فيه عن ملة إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- وعما كان عليه أنبيائهم -عليهم الصلاة والسلام- الذين ساروا على ملة إبراهيم ، وقد كذبوا على أنبيائهم كثيراً فجاء الله بهذا النبي ﷺ فكان هو وأتباعه أولى الناس بإبراهيم -عليه الصلاة والسلام- ، ” وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ “ ؛ فإذا عرف العبد أن الحنيفية هي ملة إبراهيم -عليه الصلاة والسلام -وهي دين التوحيد أن يعبد الله مخلصاً له الدين ، فليعلم أن هذا هو الذي خلق الخلقَ لأجله -سبحانه وتعالى-، خلقهم لعبادته وحده لا شريك له .