العبادة لا تسمى عبادة إلا مع التوحيد – الشيخ : محمد بن هادي المدخلي

عدد الملفات المرفوعه : 1

والعبادة هي التي تسمى عبادة إذا اجتمع فيها الحب ، والإخلاص ، والخضوع لله – تبارك وتعالى – :

وعـبادةُ الرحمـن غَايَـةُ حُبِّـهِ
مـع ذُلِّ عـابـده همـا قُـطْبَـانِ
وعليهمــا فلـك العبـادة دائـرٌ
مـا دار حــتى قــامت القطبـانِ.

فهي كمال الذل مع كمال الخضوع لله – تبارك وتعالى – ، وليعلم أن هذه العبادة لا تسمى عبادة إلا مع التوحيد لله – جلّ وعلا – ، لأن العبادة لا تكون عبادة مقبولة إلا إذا كانت خالصة لله ، وإذا كانت على وفق ما جاء به رسول الله ﷺ ، فإذا كان فيها شرك لم تكن عبادة لله فتفسد حينئذ ، فالتوحيد شرط في العبادة ، في قبول العبادة : {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا} على سنة النبي ﷺ ؛ ولا يكفي هذا لا بد أن يأتي التوحيد: {وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} ، {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} .
فالعبادة لا تسمى عبادة إلا مع التوحيد ، فإذا دخل التوحيد الشرك فسد ، ولا تسمى هذه العبادة عبادة، كما أن الصلاة لا تسمى صلاة إلا مع الطهارة ، فإذا دخل الطهارة حدث أفسدها لم تصح هذه العبادة ولم تسمى صلاة ؛ فهكذا العبادة إذا دخل التوحيد شرك فسدت ، فإذا عرفتم ذلك وجب الاعتناء بأمر التوحيد ، ولا بد أن يصير المؤمن يقضًا في هذا الباب ؛ فإن التوحيد إذا دخله الشرك فسد فعليه حينئذ أن يعتني بالتوحيد ، وأن يحقق التوحيد .
وتحقيق التوحيد بأمرين:
– أن يعرف ما ينافيه من أصله من الشرك الأكبر فيجتنبه هذا ينافيه بالكلية .
– وأن يعرف ما ينافي كماله من الشرك الأصغر فيجتنبه .
هذا لا بد منه هذا أهم شيء أن يعرف التوحيد على حقيقته كما قال سماحة شيخنا – رحمه الله – ، ويعرف الشرك على حقيقته حتى لا يقع في الشرك فتبطل عبادته ، ويبطل دينه ، ويبطل إسلامه ، فإذا كان كذلك فقد خلصه الله – جلّ وعلا – من الوقوع في هذه الشبكة ، التي هي شبكة الشرك بالله – جلّ وعز – ، الذي قال الله فيه : {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} ، {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} .
فإذا نجا من هذه الشبكة ، سلم ونجا من الخلود في النار -نسأل الله العافية والسلامة-.
ومن المصائب العظيمة التي انتشرت في الناس اليوم بسبب جهلهم بالتوحيد ، وبسبب جهلهم بالشرك فلم يحققوا التوحيد على وجهه الصحيح ، ولم يعرفوا الشرك على وجهه كما بينه الله -جلّ وعلا- ، فوقعوا في هذه البلايا العظيمة بسبب جهلهم ؛ من ذلك دعاء الأموات ، والآن هذا كثير في بلدان المسلمين ، هؤلاء الأموات الذين على قبورهم الأضرحة ، من مُنع الولد جاء إليهم يذبح خروفًا أو يذبح ثورًا أو يذبح عجلاً أو يذبح بقرة ، ويسألهم الولد ، أو ينذر نذرًا ويضعه في صناديق هؤلاء الأولياء كما يزعمون ويطلب منه الولد ، أو يستغيثون بهم من دون الله – تبارك وتعالى – هذا هو كله شرك الأولين ؛ فالشرك كما قال شيخ شيوخنا :

والشِّرْكُ جَعْلُكَ نِدًّا لِلإِلهِ وَلَمْ ** يُشارِكِ اللهَ في تَخْليْقِنَا أَحَدُ
تَدْعُوْهُ تَرْجُوْهُ تَخْشَاهُ وَتَقْصِدهُ ** لِدَفْعِ شَرٍّ وَمِنهُ الْخَيْرَ تَرْتَفِدُ
مَثْلَ الأُلى بِدُعَا الأَمْوَاتِ قَدْ هَتَفُوا ** يَرْجُوْنَ نَجْدَتَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا لُحِدُوا.

هؤلاء الذين يدعون هؤلاء الأموات يظنون أنهم على الإسلام وهم يشركون بالله – جلّ وعلا – ، يهتفون بأسماء هؤلاء المقبورين الذين لا يملكون لهم من الله شيئًا ، ولا يسمعونهم ولو سمعوا ما استجابوا لهم ، ولو جيء بهم يوم القيامة لكذبوهم وكفروا بهم وبشركهم ، كما قال -جلّ وعلا-: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} ، {أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (40) قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} يتبرؤون منهم يوم القيامة ، هؤلاء الذين عبدوا من دون الله من الأولياء والصالحين ومن الأنبياء والملائكة المقربين يتبرؤون من هؤلاء الذين يدعونهم ويهتفون بهم ويستغيثون بهم من دون الله ، وهذا منتشر في بلدان المسلمين اليوم ، ووجد من يزين له ويحسنه للناس ، ويلبس على الناس فيهم .

وبسبب الجهل أيضًا بالتوحيد وأسباب الشرك وطرق الشرك سب الدين ، وهذا منتشر في كثير من بلدان المسلمين والعياذ بالله سب الدين ، فتجد ممن يزعم الإسلام من يسب دين الله – تبارك وتعالى – أو يسب النبي ﷺ وهذا كفر بالله – جلّ وعلا – ، أو يستهزأ بالله – جلّ وعز – ويستهزأ بدينه ويستهزأ برسوله ويستهزأ بالمسلمين ، ويرميهم بأنهم تخلفوا وما تخلفوا إلا بسبب دينهم ، بسبب إرخاء اللحى وتقصير الثياب والأخذ بهذه الكتب الصفراء الذي عف عليها الزمن وتركوا أسباب التقدم ، هكذا يقولون وبأس ما قالوا ، فيستهزأ بالله وبدينه وبرسوله وبالمؤمنين ويزعم أنه مسلم – نسأل الله العافية والسلامة – ، والله – جلّ وعلا – قد حكم على أمثال هؤلاء بقوله :{قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} فإذا كان من أهل الإسلام وفعل هذا بسبب عدم معرفته بالتوحيد ، وعدم معرفته بأسباب الشرك الذي ينقض هذا التوحيد مرق من الدين ، وخرج من الدين .
وهكذا إذا اعتقد حل ما حرمه الله مما هو معلوم من الدين بالضرورة ، كحل الزنى وكحل الربا، فإذا جاء بشيء من ذلك فهو مشرك كافر ولو زعم أنه مسلم ، فهذه نواقض تنقض الإسلام فمن أتى بشيء منها انتقض إسلامه ، وانتقض توحيده كمن أتى بناقض من نواقض الوضوء ، فمن خرج منه بول أو غائط أو ريح إلى غير ذلك من النواقض كما ذكر شيخنا – رحمه الله – بطلت طهارته ، فحينئذ لا تصح صلاته ، هكذا ذاك بطل توحيده فلا تصح عبادته ، فكما أن هذا تبطل طهارته فلا تصح صلاته ، من أتى بناقض من هذه النواقض التي ذكرها شيخنا – رحمه الله – بطل توحيده ، وإذا بطل توحيده فسدت عبادته ؛ فوجب حينئذ أن يعتنى بهذا التوحيد .


  • مقتطف من (التعليق على شرح القواعد الأربع للإمام ابن باز – رحمه الله – ).

شاهد-على-اليوتيوب

  • 1442/01/11
  • مشاهدات : 587
  • مشاركة :
حقوق النشر لكل مسلم بشرط ذكر المصدر.
تنفيذ : تصميم مصري