والنبي ﷺ كما تقدم معنا بالأمس أخبر أن الله يكره الرجل البليغ الذي يتخلل بلسانه كتخلل الباقرة بلسانها أو البقرة بلسانها أيضًا كما جاء في لفظ فالبلاغة كما يفسرها ويعرفها علماء البلاغة -أهل البلاغة- بأقسامها الثلاثة : “البيان والمعاني والبديع” هذه أنواع البلاغة الثلاثة ؛ فالبلاغة عندهم تعددت تعريفاتهم لها ، وأجملوا هذا التعريفات قولهم : البلاغة الإيجاز ، وهذا قد أمر الله به رسوله ﷺ مع المخالفين إلا إذا كانوا مبطلين قال تعالى : {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا} بليغًا ؛ فالبلاغة في الإيجاز ولهذا من أوجز بل أوجز عبارة في القرآن قول الله تبارك وتعالى : {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} جار ومجرور -كلمتين فقط- ، ولهذا قالوا : القتل أنفى للقتل ، لكن كان كلام الله أبلغ هنا يقولون : القتل أنفى للقتل -العرب- يعني إذا اقتص من القاتل انتفى بعد ذلك حصول القتل فيما بين الناس لكن اسمعوا قول الله : {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} ما قال: أنفى للقتل قال: حياة فكلمة حياة أجمل من قوله : أنفى في القتل لماذا ؟ ، تلك جاءت بلفظ نفي القتال ، هذه جاءت بشيء ينعش الحياة فكان هذا في النفس ، وعند من رقَّ طبعه وروَف سمعه وفقه العربية أجمل وأبلغ ولهذا قال: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} ما قال: أنفى للقتل ، أيهم أجمل ؟ لا شك ؛ يعني لو لم يكن هذا بس من القرآن جاءت العبارة من غير لكانت هذه أجمل {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} هناك كل قتل مادة قتل مخيفة هذه في الأولى قال: قصاص ، والثانية قال: حياة ؛ فالحياة تستمر إذا اقتص من هؤلاء الذين يقتلون الناس ، ويسعون في الأرض فسادًا ؛ فالبلاغة في الإيجاز ، والسلف -رحمهم الله- كان كلامهم قليلًا كما قلنا ونفعه كثير فيجب على من سلك سبيلهم في التعلم والتعليم أن يسلك طريقتهم التي سلكوها في التعلم والتعليم ، وهذا الذي ترون الآن الفرق بين أشياخنا الذين أكثرهم قد مات -رحمة الله عليهم – وجزى الله الباقين منهم خيرًا على ما يبذلون ممن هم على قيد الحياة ، تقرأ عليه الصفحات لا يعلق إلا تعليقًا خفيفًا ؛ لأنه ينظر إلى الطالب أمامه ، ويعرف مستواه ؛ فيخاطبه على مستواه فما كان لا يحتاج إلى إكثار لا يكثر ، وما كان يحتاج إلى بيان بيَّن ، وإذا أشكل على المستمع شيء سأل عنه فأجابه ، وبهذا نفعوا وانتفعوا -رحمهم الله تعالى-.