الباطل محبوب للنفس الأمارة بالسوء، والحق مكروه لها، فإذا تجاوز الإنسان هذا المكروه وأكره نفسه الأمارة بالسوء على فعل الواجبات وعلى ترك المحرمات، فحينئذ يصل إلى الجنة.
ولهذا تجد الإنسان يستثقل الصلوات مثلاً، ولا سيما في أيام الشتاء وأيام البرد، ولا سيما إذا كان في الإنسان نوم كثير، بعد تعب وجهد، فتجد الصلاة ثقيلة عليه، ويكره أن يقوم ويترك الفراش اللين الدافئ، ولكن إن هو كسر هذا الحاجب، وقام بهذا المكروه؛ وصل إلى الجنة.
وكذلك النفس الأمارة بالسوء، تدعو صاحبها إلى الزنا شهوة وتحبه النفس الأمارة بالسوء، لكن إذا عقلها صاحبها وأكرهها على تجنب هذه الشهوة، فهذا كره له؛ ولكن هو الذي يوصله إلى الجنة؛ لأن الجنة حفت بالمكاره.
وأيضاً، الجهاد في سبيل الله، مكروه إلى النفس (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (البقرة: 216) ، مكروه للنفس فإذا كسر الإنسان هذا الحجاب، كان ذلك سبباً لدخول الجنة، واستمع إلى قوله الله تعالى: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) (آل عمران: 169، 171) ، فإذا كسر الإنسان هذا المكروه وصل إلى الجنة.
كذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، شديد على النفوس، شاق عليها، وكل إنسان يتهاون فيه ويكرهه، يقول: ما علي بالناس؟ أتعب نفسي معهم، وأتعبهم معي؟! ولكنه إذا كسر هذا المكروه، وأمر بالمعروف، ونهى عن المنكر؛ فإن هذا سبب لدخول الجنة.. وهلم جراً، كل الأشياء التي أمر الله بها مكروهة للنفوس، لكن أكره نفسك عليها حتى تدخل الجنة.
فاجتناب المحرمات مكروه إلى النفوس، وشديد عليها، لا سيما مع قوة الداعي، فإذا أكرهت نفسك على ترك هذه المحرمات، فهذا من أسباب دخول الجنة، فلو أن رجلاً شاباً أعزب، في بلاد كفر وحرية فيها يفعل الإنسان ما شاء، وأمامه من النساء الجميلات فتيات شابات , وهو شاب أعزب، فلا شك أنه سيعاني مشقة عظيمة في ترك الزنا؛ لأنه متيسر له، وأسبابه كثيرة، لكن إذا أكره نفسه على تركها، صار هذا سبباً لدخول الجنة.
المهم أن النار حجبت بالشهوات، والجنة حجبت بالمكاره، فجاهد نفسك على ما يحب الله وإن كرهت، واعلم علم إنسان مجرب أنك إذا أكرهت نفسك على طاعة الله؛ أحببت الطاعة وألفتها، وصرت ـ بعد ما كنت تكرهها ـ تأبى نفسك أن تتخلف عن الطاعة إذا أردت أن تتخلف عنها.
ونحن نجد بعض الناس يكره أن يصلي مع الجماعة، ويثقل عليه ذلك عندما يبدأ في فعله، لكن إذا به بعد فترة تكون الصلاة مع الجماعة قرة عينه، ولو تأمره ألا يصلي لا يطيعك، فأنت عود نفسك وأكرهها أول الأمر، وستلين لك فيما بعد وتنقاد.
أسأل الله أن يعينني وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته.