أما عن المؤلف فهو معروف عند الجميع ، ومعروف عند الخاص والعام ، هو : الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- ، وُلد في بلاد نجد في العُيينه من قُرى اليمامة سنة ١١١٥ للهجرة ، وحفظ القرآن قبل أن يبلغ سن العاشرة ، وكان من بيت علم فأبوه هو القاضي في البلد ، وجده سليمان بن علي هو مفتي نجد في وقته وعالمها النحرير ، وأعمامه هم علماء البلاد ؛ فنشأ في بيئة علمية ، ودرس على أبيه وعلى علماء بلده ما عندهم من العلوم ، ثم إنه رحل في طلب العلم إلى الحجاز ؛ حجَّ ومرَّ بالمدينة ، والتقى فيها بثلاثة علماء أخذ عنهم ، الأول : الشيخ عبدالله بن إبراهيم بن سيف المدني -أصله نجدي وأما منشؤه فهو مدني- من معالي المجمعة ، وابنه إبراهيم بن عبدالله بن سيف صاحب : (العذب الفائض شرح ألفيَّة الفرائض) ؛ هذا إبراهيم بن عبدالله ، والثالث : الإمام المحدث محمد حياة السندي صاحب الحواشي على كتب الحديث في الصحيحين وغيرهما ؛ فأخذ عن هؤلاء العلماء : علم الفقه ، والفرائض ، وأخذ عن هذا المحدث علم الحديث ، وأجازه في أمَّهات السُّنة ، ثم إنه رحل إلى بلاد الأحساء وفيها العلماء من الحنابلة والشافعية والحنفية والمالكية ؛ فأخذ عن علمائها كابن فيروز الحنبلي ، وابن عبداللطيف الشافعي ، أخذ عنهم وأجازوه في الفقه ، ثم إنه رحل إلى العراق -إلى البصرة- ، وكان فيها علماء حنابلة وغير حنابلة فأخذ عنهم ، وتتلمذ عليهم ، وحصل منهم على إجازات ، وتيسر له من الكتب هناك الشيء الكثير ، ونسخ بخطه منها الشيء الكثير ، وكان له عناية تامَّة بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ، يقرؤها ، ويختصر منها ، وينسخ ما حصل عليه منها ، حتى إنه تحصَّل على علم غزير منها خصوصًا في علم التوحيد ، وعلم العقيدة ، والأصول وغير ذلك ؛ فتبحَّر في العلم عن هؤلاء العلماء في نجد ، وفي المدينة ، وفي الأحساء ، وفي العراق ، ثم إنه همَّ بالرحلة إلى الشام لأن الشام موطن الحنابلة ، وفيها علماء كثيرون من أهل الحديث وغيرهم ، ولكنه لم يتيسر له ذلك بسبب طول المسافة ، وقلة الزاد ، وكاد أن يهلك في الطريق لولا أن الله قيض له إنسانٌ حمله وأرجعه إلى البصرة ؛ فرجع ثم رجع إلى بلاد نجد ، وكانت إذ ذاك بلاد نجد كغيرها فيها من الخرافات فيها من البدع والمحدثات الشيء الكثير ، ففيها من العوائد الجاهلية ، وكانت متشتتة كل قرية فيها أمير لا يخضع أمير هذه القرية لأمير القرية الأخرى ، وبينهم نزاعات وحروب ومحن حتى إن أهل البلد الواحد يتقاتلون فيما بينهم ، وفي جانب البلد أمير وفي الجانب الثاني منه أمير ويتقاتلون بينهم غارات وثارات وحروب وبدع ومحدثات ؛ فلما رأى وضع الناس وقد منَّ الله عليه بالعلم والبصيرة لم يرضَ أن يسكت على هذا الواقع بل قام بالدعوة إلى الله ، وإرشاد الخلق بالحكمة والموعظة الحسنة ، والاتصال بولاة الأمور ، ودعوتهم إلى الله حتى يسر الله له أنصارًا وأعوانًا وطلبة وعند ذلك تأسست الدعوة ، وكان لها أتباع ثم انتشرت ، ثم تكَّون جيشٌ للجهاد في سبيل الله ، وكان تحت إمْرة محمد بن سعود -رحمه الله- الذي بايع الشيخ على المناصرة والمعاضدة والتأييد لدعوته ؛ فتكوَّنت دولة الإسلام في بلاد نجد بعد أن كانت بلادًا قاحلة بلاد فتن وحروب وبدع ومحدثات تكوَّنت فيها دولة إسلامية قامت على التوحيد ، وعلى تحكيم شريعة الله ، ثم انتشرت وعمَّت بلاد نجد ؛ فدخلت كلها تحت حكم الإسلام والعقيدة الصحيحة ، وأزال ما فيها من البدع والمحدثات ، وتوحَّدت تحت إمْرة واحدة ، وسلطة واحدة ، ثم امتد شأنها ، وعظم أمرها ، وانتشر خيرها على الأقطار فما من بلد في الشرق أو الغرب إلا وقد وصل إليه ذِكر هذه الدعوة ، وما أنتجت وأثمرت ؛ فأثرت فيمن أراد الله له الهداية ، ولا تزال -ولله الحمد- ؛ لا تزال هذه الدعوة رغم ما تعرضت له من الفتن ، ومن المعارضات ؛ لا تزال منتصرة -ولله الحمد- وتعود لها العزة والكرامة وإن جرى عليها في بعض الأحيان وعلى أهلها كما هي سنة الله -سبحانه وتعالى- في خلقه من الامتحان والابتلاء إلا أنها تعود كما كانت نقية واضحة مشرقة ينتفع بها من أراد الله له الهداية ؛ هي دعوة إلى الكتاب والسنة لا إلى مذهب فلان أو قول فلان أو عصبية لمذهب وإنما يدعو إلى الكتاب والسنة وإلى اتباع السلف الصالح في القول والعمل ، هذا مدار دعوة الشيخ -رحمه الله- ، ومن جهوده أنه -رحمه الله- ألَّفَ المؤلفات المطولة والمختصرة والمتوسطة وصار يرسلها إلى الأقطار وإلى البلدان وتُقرأ وتُدرس فنفع الله بها.