الصيام في أصل الوضع في اللغة : هو مطلق الكف والإمساك والامتناع ، هذا أصل الوضع كلمة الصيام في لغة العرب ، أصل الكلمة تدل على الكف والإمساك والامتناع ، قال أبو عبيدة : (كل ممسك عن طعام أو كلام أو سير فهو صائم) ذكره عنه في لسان العرب ، فإذًا أصل الصيام باللغة العربية : الكف والامتناع والامساك ، ومن ذلك قول الله تعالى عن مريم : (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا (26) فسمى الله – سبحانه وتعالى – الإمساك عن الكلام صومًا ، وذلك حينما أتت بابنها – عليهما السلام – عيسى ابن مريم ( فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ ۖ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ۖ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29)) فأنطقه الله -جل وعلا- فبهتوا ، وبرأها الله مما نسبوه إليها من البهتان ، وهذا تولى كبره اليهود عليهم لعائن الله إلى اليوم يرمون أم عيسى – عليه السلام – بالزنا عليهم لعائن الله ، فبرأها الله مما قالوا ، وكان عيسى – عليه السلام – عند الله وجيهًا ، قال لها الله قولي لهؤلاء (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا (26) فسمى الله – سبحانه وتعالى – الإمساك عن الكلام صيامًا ، وأيضًا الإمساك عن السير صيام كما قال النابغة الذبياني الشاعر العربي الأصيل المعروف ، قال :
خَيلٌ صِيامٌ وَخَيلٌ غَيرُ صائِمَةٍ تَحتَ العَجاجِ وَأُخرى تَعلُكُ اللُجُما
خَيلٌ صِيامٌ هذا هو الشاهد ، الصيام من الخيل هي المعقودة الواقفة المقيدة التي لا تخوض المعارك ، لا تسير تحت رهب الغبار بالقتال في سبيل الله – تبارك وتعالى – وقبل كان القتال بين الجاهلية ، فالشاهد يقول : خَيلٌ صِيامٌ وَخَيلٌ غَيرُ صائِمَةٍ ، الخيل الصائمة هنا هي التي قد قيدت وربطت فلم تنطلق ولم تعدوا في ميدان القتال ، هذا هو أصل الصيام في اللغة ، أما من حيث الشرع فهو التعبد لله -تبارك وتعالى – بالإمساك عن الأكل والشرب والجماع وسائر أنواع المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس ، كما قال تعالى : (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) ، فهذا هو الصيام في عرف الشرع ، الإمساك عن هذه الأشياء بنية التعبد لله -تبارك وتعالى – ، ويمسك المسلم عن الأكل والشرب والجماع وسائر أنواع المفطرات ، يعني هناك أشياء ملحقة بالأكل والشرب والجماع ، ولهذا عبر عنها العلماء بقولهم : وسائر أنواع المفطرات ، وخصوا بالذكر الأقسام الثلاثة هذه لكونها أشهر شيء في المفطرات ، قالوا الإمساك عن الأكل والشرب والجماع ، وذكروا هذه الثلاثة لكونها أشهر وأكبر أنواع المفطرات وهناك أشياء تلحق بها من المفطرات قالوا فيها وسائر أنواع المفطرات ، بنية الصيام يمسك الإنسان هذه الأمور جميعًا بنية الصيام بنية التعبد لله – تبارك وتعالى – من طلوع الفجر حتى تغرب الشمس .