فأوصي إخوتي وأبنائي بالثبات على هذا، ووزن الرجال بالدليل الذي كان عليه الرسول ﷺ، وأصحابه – رضي الله تعالى عنهم -، وعليه عبارات السلف الصالحين، فإن من وزن الناس بهذا لا يكاد يخطئ، ومن نظر إلى مناصبهم أو مراكزهم أو نحو ذلك، فإن هذا لا بد أن يخطئ، هذا أولًا.
وثانيًا: أوصيكم بالحرص على السبيل لتصحيح هذا الميزان، ألا وهو العلم، طلب العلم الشرعي الصحيح، فإن هذا الميزان لا يُحسن أن يزن به إلا من كان على درجة من العلم، والعلم معرفة الهدى بدليله، ما ذاك والتقليد يستويان، والجهل داء قاتل ودوائه أمران في التركيب متفقان نص من القرآن أو من سنة وطبيب ذاك العالم الرباني. اليوم يأتي الفروخ يطلع من البيضة، يظن نفسه مثل الديك، لا يحسن أن يصيح فيرى نفسه مثل الديك، الذي إذا صاح أسمع البلدة كلها والقرية كلها، هذا غير صحيح.
فمن رسخت قدمه في الدعوة وشابت لحيته ورأسه فيها وطال عمره، وعالجها وعرف أهلها على مر الدهور، لا يمكن أن يكون للأحداث مثله بحال من الأحوال، ومن شهد له أئمة الدين والهدى بالاستقامة على دين الله وعلى طريق الخير والحق والهدى، لا يمكن أن يزحزحك عنه أو يزلزلك عن الجلوس إليه كلام من لا يوثق به ولا يؤبه به، ولا ينظر إليه. فالواجب علينا جميعًا أن نسلك هذا الطريق، طريق التعلم والإتقان لطرائق الاستدلال، التي يعرف بها كيفية الاستدلال، وهذا لا بد فيه من معرفة أصول الفقه، كما أنه لا بد في معرفة الدليل وثبات الدليل وصحة الدليل، لا بد فيه من معرفة أصول الحديث، فهنا لا بد من معرفة أصول الفقه، حتى تعرف كيف تستدل وتثبت حجتك بالدلائل الواضحة، وتعرف كيف ترد على المغالطين، فإن المغالطين اليوم كثير لا كثرهم الله. فأوصيكم إخوتي وأبنائي بالجد في التعلم، والأخذ بحزم وبقوة في هذا العلم الشرعي ، فإن المتلاعب لا يكشفه إلا العلم الشرعي، المتلاعب الذي عنده آلة وعنده معرفة وعنده علم لكنه متلاعب، لا يُكشف إلا بمعرفة العلم الشرعي، لأنك تعامله من نفس ما يعاملك. فأوصيكم بالحرص على الازدياد من العلم، في ازدياد العلم إرغام العدى، وصلاح العلم إصلاح العمل، فترغم عدوك وتصلح عملك، وكفى بهاتين فائدتين عظيمتين لهذا العلم الشرعي. فأوصيكم معشر الأبناء بالحرص على الازدياد من العلم لإرغام عدوكم فلا يجد مدخلًا عليكم، والعدو عام من الإنس والجن، (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113)).